التكرار: " ظاهرة لغوية نجدها في الألفاظ والتراكيب والمعاني من اجل تحقيق البلاغة في التعبير وتأكيد الكلام والجمال في الأداء اللغوي وللدلالة على العناية بالشيء الذي كرر لان لكل نص مرتكز ذوقي يسعى الشاعر إلى تكراره بكل الأنماط عبر بنيته الشمولية ، التي يتوزعها نظام تام يستغرق النص كله ويتكون من مجموعة من المدارات التي تشارك لتصنع ذلك النظام ."
ومن أهم التكرارات على مستوى القصيدة ، تكرار لفظ " تسوى " فهو دلالة واضحة على الحزن والحسرة على فقدان الثمين ، حيث تكررت هذه اللفظة خمسة عشر مرة .
كما نلاحظ انه بعدما ابرز قيمة حيزية والتي جعلها بكنوز الأرض كلها لم يكتفي بهذا وإنما قال : " في أختي قليل قليل ..." أي أن كل هذا قليل جدا في حيزية ولذلك كرر كلمة قليل .
ومن الألفاظ المكررة كذلك لفظ " عزوني " وهي دلالة على محاولة الصبر على فقدان عزيز ، فجعل يطلب العزاء والمواساة من كل فئات المجتمع .
والتكرار ميزة في شعر الرثاء منذ القديم ، لا يأتي في قصيدة ما إلا لشدة الألم والتفجّع يقول ابن رشيق : ( وأول ما تكرر فيه الكلام باب الرثاء ، لمكان الفجيعة وشدة القرحة التي يجدها المتفجع )(1)
وخير دليل على ذلك ، ما نجده عند الحارث بن عباد المفجوع على ابنه جبير الذي قتله المهلهل ، فرثاه بقصيدة يقول فيها :
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي لَقِحَت حَربُ وائِلٍ عَن حِيالِ
قربا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي لَيـسَ قَولي يرادُ لَكِن فعـال
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي شـابَ رَأسي وَأَنكَرَتني القَوالي
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي لِاِعتِناقِ الأَبـطالِ بِالأَبطــالِ
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي شـابَ رَأسي وَأَنكَرَتني القَوالي
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي لِاِعتِناقِ الأَبـطالِ بِالأَبطــالِ
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي وَاِعـدِلا عَن مَقالَةِ الجُهّــالِ
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي لَيسَ قَلبي عَنِ القِتالِ بِســالِ
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي كُلَّما هَبَّ ريحُ ذَيلِ الشَمـــالِ
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي لِجٌبيرٍ مُفَكِّكِ الأَغــــــلالِ
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي لا نَبيعُ الرِجالَ بَيعَ النِعــــالِ
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي لِجٌبيرٍ فـداهُ عَمّي وَخــــالي
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي لَيسَ قَلبي عَنِ القِتالِ بِســالِ
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي كُلَّما هَبَّ ريحُ ذَيلِ الشَمـــالِ
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي لِجٌبيرٍ مُفَكِّكِ الأَغــــــلالِ
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي لا نَبيعُ الرِجالَ بَيعَ النِعــــالِ
قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي لِجٌبيرٍ فـداهُ عَمّي وَخــــالي
فقد كرر الحارث بن عباد عبارة " قَرِّبا مَربَطَ النَعامَـةِ مِنّي" والنعامة هو اسم فرسه ، وهذا التكرار أظهر لنا قوته وعزمه على دخول الحرب مع تغلب ، فمع تهديده وغضبه الشديد إلا انه استعمل التكرار بكثرة لأنه مفجوع على ابنه الوحيد .
(1) بشرى الخطيب ، الرثاء في الجاهلية وصدر الإسلام ، مطبعة الإدارة المحلية، بيروت، لبنان، ط1، 1397 هـ ، ص238